لم تكتف تونس بإطلاق الشرارة الأولى للربيع العربي بل أرادت أن تكون في الطليعة أيضاً في استكمال ثورتها بخلق تغيير جذري في مقاربتها لموضوع حقوق الانسان. فها هي اليوم، بعد مضي عام على الثورة، تأخذ المبادرة من جديد وتلعب دوراً ريادياً في مجال حقوق الانسان والعدالة الانتقالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
تضم الحكومة التونسية اليوم وزارة لحقوق الانسان والعدالة الانتقالية أمامها الكثير من العمل خصوصاً أن البلاد كانت قد شهدت انتهاكات ممنهجة لحقوق الانسان خلال حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. أما المجتمع المدني التونسي فقد اطلق عدة مبادرات في مجال العدالة الإنتقالية بما فيها تنسيقية وطنية للعدالة الانتقالية.
وفي هذا الإطار، نظم المعهد العربي لحقوق الإنسان بالاشتراك مع المركز الدولي للعدالة الانتقالية والتنسيقية الوطنية للعدالة الانتقالية ورشة عمل في العاصمة تونس في 8 شباط/ فبراير حول "مقاربة المجتمع المدني في وضع إطار قانوني للعدالة الانتقالية في تونس." إفتتحت الورشة بحضور كل من وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية الإستاذ سمير ديلو، ومنسّق التنسيقية الوطنية للعدالة الانتقالية الإستاذ عمر صفراوي، ومدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية الإستاذ حبيب نصار، ورئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان الإستاذ عبد الباسط بن حسن.
تركز النقاش بصورة خاصة على البحث في المشروع الذي أعدّته التنسيقية التي تضمّ إحدى وعشرين جمعية ومنظمة غير حكومية في تونس والذي تقترح بموجبه إحداث "هيئة عليا مستقلة للحقيقة والعدالة الانتقالية" تعهد لها مهمة وضع تصور متكامل لإرساء منظومة الحقيقة والعدالة والمصالحة. وتتولى الهيئة، وفق هذا المشروع، التقصي في كل الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان و التجاوزات في التصرف بالمال العام وتمتد فترة عملها لمدة خمس سنوات تقدم خلالها تقارير دورية. وقد أوصت التنسيقية بتأمين كل الموارد والضمانات التي تكفل استقلالية الهيئة ونجاحها.
ومن المقرر أن يتم في مرحلة لاحقة وبعد انجازالمشروع وادخال التعديلات اللازمة عليه أن يعرض على المجلس الوطني التأسيسي لمناقشته وتطويره. ويقول نصار في هذا الإطار:"على العدالة الانتقالية في تونس ان تكون ثمرة الحوار بين الحكومة والمجتمع المدني" معرباً عن ثقته بالمجتمع التونسي الذي سيكون له تجربة خاصة به وسيكون مثالاً يحتذى به في الدول التي تعيش مرحلة انتقالية في المنطقة".
تطرق المتحدثون خلال ورشة العمل الى مواضيع أخرى من بينها التوجهات الجديدة في مجال العدالة الانتقالية التي تحدث عنها روبن كارانزا من المركز الدولي للعدالة الانتقالية مستعرضاً تجارب أميركا اللاتينية وجنوب إفريقيا ومسلطاً الضوء في الوقت عينه على تباين تجارب العدالة الانتقالية بين دولة وأخرى تبعاً لظروفها والفترات الزمنية.
وتقول منسقة برنامج تونس لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية ريم القنطري إن ورشة العمل هذه أتاحت الفرصة " لمناقشة اقتراحات لتطوير وتحسين مشروع التنسيقية آخذا بعين الإعتبار تجارب مقارنة في العدالة الإنتقالية."