تأملات في النضال من أجل العدالة: كيتلين ريجر

03/01/2017

ونحن ننظرُ إلى الوراء على مدى15 عاماً من عمل المركز الدوّلي للعدالة الانتقالية، نُدركُ أن ثروتنا الحقيقية هي أولئك الأشخاص الذين جَعَلُوا مساهمتنا ممكنة بمعرفتهم وخبرتهم وتفانيهم. للاحتفاء بكل الذين كانوا جزءًا من قصة المركز الدوّلي للعدالة الانتقالية على مدى سنوات سألنا عدداً من زملائنا السابقين أن يكتبوا تأملاتهم وذكريات اللحظات البارزة: تلك اللحَظات التي جَعلت عملنا أكثر وضوحاً. في الأسابيع والأشهر القادمة سوف ننقل لكم قصصهم عن تأملات في النضال من أجل العدالة.

كيتلين ريجر النائبة السابقة لمدير وحدة المُحاكمات في المركز الدوّلي للعدالة الانتقالية (2005-2010)، تَتفَكَّرُ في قوة أنسنة الشهادة في سياق تيمور الشرقية.


كان عام 2002، وكنتُ أجلسُ في قاعة المحكمة في تيمور الشرقية في اليوم الأول الذي بَدأت فيه الُمحاكمة الأولى للجرائم ضد الإنسانية. كانت لحظة طال انتظارُها لأولئك الذين عانوا من العنف عام 1999، وأولئك الذين ناضلوا من أجل العدالة.

كان المتهمون مجموعة من عشرة شبان متهمين بكونهم أعضاء في الميليشيا الخطرة الموالية لإندونيسيا، وكانوا متهمين، من بين أمور أخرى، بنصب كمينٍ لشاحنة تحمل الراهبات والصحفيين، وتعريضهم لانتهاكات واسعة النطاق بلغت ذروتها في عدة جرائم قتل وحشية. وبَعد أن كان يُنظر إليهم كجماعة لا تُقهر، هل ستقدمهم هذه العملية للحساب؟

كان مشهداً قوياً رؤية المُدّعي عليهم- بملامحهم القاسية وتبجحٍ لا يزال حاضراً - يصطفون في النهاية على مقاعد المتهمين أمام القاضي.

    Image removed.

أتذكرُ أنني كنتُ أفكر أنه إن أمكَن للعدالة أن تُقام على مثل هؤلاء الرجال، الذين تمتعوا بإفلات من العقاب صارخ، فإن هناك أمل. كثير من الذين حضروا ذلك اليوم سمع أو قرأ روايات مفصّلة ، ومع ذلك كان لا يزال صعباً تصّور مدى ذلك العنف .

كانت امرأة مسنة أوّل من أدلى بالشهادة. وبينما وقفت، لفتَ ضعفها النظر. مُتَقَوّسة بسبب العُمر، وربما من المصاعب التي عاشتها، لاحت كتَكْوِين صغيرٍ على خلفية هؤلاء الرجال الأشداء.

سألها القاضي أن تَتَعرف على الرجال على مقاعد الاتهام. دون صعوبات تُذكر، تقدمت المرأة نحو خط المتهمين، كل واحد منهم يَكبر في الأفق مع اقترابها. ثم شرعت آخر الخط، تسمي كل شخص تتخطاه، ناظرة مباشرة في أعينهم وهامزة إياهم بعنف في الصدر بينما تنطقُ أسماءهم.

مُدركة قوة صوتها الخاصة، خلصت جولتها بوصف كيف عرفت كلا منهم عندما كانوا صغاراً. مُصيحة وهي تنظر نحوهم باشمئزاز: "هؤلاء الأولاد مثل أبنائي!". كان غضبها وخيبة أملها وجرحها مَلْمُوساً جداً وخاماً مثيراً للرهبة.

مع هذه الكلمات القليلة والمنبر الذي قدمتها شهادتها، قلصت الكلمات في الوقت نفسه قوتهم، وبطريقة أو بأخرى أيضاً استعادت إنسانيتهم. لم يغدوا مُجرد واجهة للشر. تم توبيخهم كما أولاد ضالين تورطوا في شيء كان لديهم القليل من السيطرة عليه، والذين الآن عليهم مواجهة عواقب أفعالهم على حد سواء أمام القانون ومجتمعهم.


الصورة: خمسة من رجال الشرطة ومسؤولين عسكريين كبار للمحاكمة في تيمور الشرقية في عام 2002