نعملُ يدًا بيدٍ مع الضّحايا حتّى يحصلوا على الإقرارِ بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وعلى جبرِ الضّرر عنها، وحتّى يُحاسبَ المسؤولون عن ارتكابها، وتُصلحَ وتُبنَى المؤسسات الدّيمقراطيّة، ويُمنع تكرار العنف أو القمع.
دليل في ظلام لا يعرف النور: واقع المعتقلين والمخفيين قسراً في سوريا وعائلاتهم
للاختفاء القسري والاعتقال التعسّفي أثر بالغ الشدّة على الضحايا وأحبّائهم. يلقي هذا الدليل نظرة قاسية على الواقع المؤلم لضحايا تلك الجرائم من السوريّين، ويقدّم نصائح حول السُبُل المتوفّرة لديهم ولدى الآخرين للمساعدة. هذا الدليل من إعداد مشروع "جسور الحقيقة"، وهو ثمرة التعاون بين ثماني منظمات مجتمع مدني سورية والمركز الدولي للعدالة الانتقالية بهدف التوعية بمآسي المعتقلين والمخفيّين في سوريا وأُسرهم.
منذ العام ٢٠١١، اعتقل النظام وحلفاؤه والجماعات المسلّحة غير التابعة للدولة عشرات آلاف الأشخاص في سوريا، ولم يظهر لهم أثر منذ ذلك الحين. ومن المرجح أن يكون عدد كبير منهم قد توفّي نتيجة القتل خارج نطاق القانون والتعذيب وظروف الاعتقال اللاإنسانية. أمّا القلّة القليلة التي لا تزال على قيد الحياة فهي في عزلة تامّة، وما من أمل بالإفراج عنهم. ويصعب على أحبّاء المعتقلين الذين ينتظرون عودتهم الحصول على إجابات حول مكان تواجدهم أو مصيرهم، كما يصعب عليهم التعامل مع التحدّيات العاطفيّة والبيروقراطيّة الهائلة المفروضة على ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسّفي.
لقد تغيّرت حياة كلّ من هؤلاء الضحايا وأُسرهم إلى الأبد، ويعود ذلك في حالات كثيرة إلى الإصابات الجسديّة، والصدمة النفسيّة، والخسائر الاقتصادية، والانتهاكات الجسيمة لحقوقهم الأساسية الأخرى.
يهدف هذا الدليل – وهو مشروع مشترك بين المركز الدولي للعدالة الانتقالية وثماني منظمات مجتمع مدني سورية – إلى تحضير الضحايا وأحبّائهم للتعامل مع المصاعب التي قد يواجهونها إذ يسعون إلى إعادة بناء حياتهم وتجاوز العقبات البيروقراطية الكثيرة التي تعترض طريقهم، والتي يفرضها النظام وغيره من الجهات. ويستند الدليل إلى مجموعة متنوّعة من المصادر، بما في ذلك سجلّ المنظمات المُعِدَّة التقرير الحافِل في العمل والتواصل مع الضحايا في سوريا، والشهادات التي تمّ جمعها، ونقاشات مجموعات التركيز، والتحليل المعمّق.
يشعر قارئ الدليل بأنّه يسير جنبًا إلى جنب مع أحبّاء الضحايا، من لحظة اختفائهم – ومرحلة البحث المحموم عن إجابات – إلى الألم الذي يرافق عملية الاستحصال على شهادة وفاة، وتسوية شؤون الشخص المفقود، والحصول على الوثائق المدنية الأساسية، والمضيّ قدمًا في الحياة. يتطرّق كلّ فصل إلى عوائق مختلفة قد يواجهها الضحايا وأفراد أُسرتهم، كما يُختَتَم بتوصيات إلى أصحاب المصلحة السوريّين والمجتمع الدولي لدعم الأُسر والمساهمة في الحدّ من العوائق التي تواجه جميع المتضرّرين من هذا الواقع، والتي يعجزون عن التغلّب عليها حاليًا. ويشمل ذلك توصيات إلى النظام السوري، بالرغم من أنّ مُعدّي التقرير يعرفون خير معرفة أنّ النظام غير معني بصون حقوق الإنسان، أو باحترام التزاماته بموجب القانون الدولي، أو بحماية شعبه.
ومع أنّ قراءة هذا الدليل ليست بالأمر السهل عاطفيًا، إلا أنه يشكّل موردًا شاملًا للضحايا وكلّ من يرغب في مساعدتهم لفهم الخطوات الواجب اتّخاذها وتلك الكفيلة بمساعدة المتضرّرين.