مع تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ندرة المساءلة تترك أملًا ضئيلًا في تحقيق العدالة

11/17/2021

أدّت السّنوات السّتّ من الحربِ الضّروس في اليمن إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم، بحسب تعبير الأمم المتحدة. فمعظمُ البُنى التحتية الحيوية لهذا البلدِ الضّعيف أساسًا قد دُمر، وغالبية سكّانه، البالغ عدَدُهم 30 مليون نسمة، يعيشونَ اليومَ في فقرٍ مدقع، ويُحدقُ بهم خطرُ الجوع والمرض. وما كان من شأن سلسلةِ المقترحات الدولية الفاشلة لوقف إطلاق النار إلّا أن بدّدَت الأمل في التوصّل إلى اتفاقية سلام.

وقد حذرت إشراق المقطري، المتحدثة باسم الهيئة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن من أنَّ "الملايين من اليمنيين يعيشونَ على المساعدات بعد انهيار العملة والاستيلاء على مؤسساتِ الدولة وايراداتِها وغياب استراتيجية اقتصادية تخفّف من وطأةِ الغلاء الفاحش". وحذّرت المقطري قائلة: "تنتظر آلاف النساء، إمّا في المعتقلات وإمّا في المخيمات، ما تجودُ به المنظمات الدولية التي اغتنت هي وموظفيها على حساب الشعب اليمني." 

وازداد الوضع سوءًا بعدما رفض أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا يقضي بتجديد ولاية فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن، وهي هيئة دولية تحقّق في الخروقات والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. ويمثّل قرار المجلس هذا ضربة خطيرة للمساءلة في البلاد. وقد شدّدت منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية على الحاجة إلى تعزيز المساءلة الموثوقة في اليمن من خلال تنفيذ توصيات فريق الخبراء البارزين ولجنة الجزاءات التابعة لمجلس الأمن لمعالجة الإفلات من العقاب وإنشاء آليات مخصصة لمتابعة المساءلة في اليمن. ويمكن أن يشمل ذلك إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإنشاء آلية دولية محايدة ومستقلة لليمن، وتوسيع قائمة الأشخاص الخاضعين لعقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإنشاء محكمة مختلطة خاصة للمحاكمة في قضايا الأشخاص الّذين يتحمّلونَ المسؤولية الأكبر، بالإضافة إلى المحاكمة في القضايا بموجب الولاية القضائية العالمية من قبل دول ثالثة.

إن آلية المساءلة المحلية الوحيدة الموجودة في اليمن اليوم هي الهيئة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان (NCIAVHR). تأسست الهيئة في العام 2016، وهي تراقب وتوثّق وتحقّق في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المرتكبة منذ العام 2011 على يدِ جميع أطراف النزاع. وترمي الهيئة إلى إثبات مُلابسات الجرائم وتحديد المسؤولين عنها، وفقًا للقوانين الوطنية والدولية المعمول بها، وذلكَ بهدف محاسبة الجناة وضمان جبر الضرر للضحايا.

وفي هذا الصّدد، أوضحت المُتحدّثة باسم الهيئة، إشراق المقطري، قائلةً: "استطاعت الهيئة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان الانتهاء من التحقيق في آلاف الوقائع وإحالة الكثير منها إلى القضاء مع تهيئة هذه الملفات وتجهيزها لصالح آليات العدالة الانتقالية في المستقبل والاعتماد عليها في أي مبادرة سلام قائمة على حماية حقوق الإنسان وإنصاف الضحايا". لكنْ، للأسف، فشل القضاء اليمني في إصدار حكم نهائي في أيٍّ من هذه القضايا المحالة إليه. ولهذا السبب ولأسباب أخرى أيضًا، قد يكون من الضروري إجراء إصلاحات مؤسسية جوهرية، على الرّغم من التحدّيات الجمّة الّتي ستعترضُها، وذلكَ بغيةَ ضمان استقلالية القضاء، في حالِ أرادَ اليمن تحقيق العدالة في انتهاكات حقوق الإنسان. 

يدعم المركز الدولي للعدالة الانتقالية جهود الهيئة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان من خلال تدريب أعضائها على قضايا العدالة الانتقالية وتقديم التجارب المشابهة والدروس المستفادة من بلدان أخرى حول العالم. وفي هذا الصّدد، تشدِّدُ نور البجاني نور الدين، خبيرة البرامج في المركز الدولي للعدالة الانتقالية، على "أنّ غياب آليات المساءلة الدولية الخاصة باليمن وضعف المؤسسات الوطنية يتركان الضحايا من دون مسار موثوق نحو العدالة. من الضروري أن تكون العناصر المختلفة للمساءلة والعدالة للشعب اليمني في صميم أي عملية سلام ما يُعدُّ المفتاح الأساس لبناء السلام المستدام ومنع تكرار العنف".


الصورة: الهيئة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان توثق الانتهاكات بحق المواطنين في لحج (موقع الهيئة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان)